ضياء الموسوي: خرجتُ من زنزانة التأدلج بالفلسفة والانفتاح على الحضارات - تدوينة الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة
يجهد مستشار هيئة الثقافة والآثار في البحرين ضياء الموسوي في استثمار حواراته ومقالاته في إنقاذ الأجيال المسلمة من الوقوع تحت وطأة الخطاب الوعظي المتأزم، الذي تسبب للمسلمين والعرب في أزمات لا حصر لها، وهو هنا يتيح لنا قراءة فكره وهو يقرأ الماضي بعين الواقع الموضوعي، ولمكانته العلمية بجمعه بين دراسة في الحوزة، ودراسة في الجامعة، وتحرره من كل ما يكبّل التفكير الناقد، رأس «مركز الحوار الثقافي»، ونال عضوية «مجلس الشورى البحريني»، و«المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية»، ومجلس أمناء «المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية». ومن مؤلفاته: «مقالات في زمن الردّة»، و«علي وحقوق الإنسان»، فإلى الحوار:

• من أين دخلت التأزمات على الإسلام؟

•• دعني أصارحك أن كل المذاهب والأديان يوجد فيها جواهر ودرر، وبها حقول ألغام قابلة لأن تنفجر في وجه الإنسان، والألغام صناعة بشرية، كانت تباع في «سوبرماركت المذاهب»، وفي الدكاكين السياسية، وهي جزء من التكوين السيكولوجي للنفس البشرية القائمة على المصالح الضيقة في استخدام النصوص للتخدير الديني الذي يُهرّب للناس في ورق نصوصاً متكلِّسة وضعيفة وغير صالحة للزمن، فقط للحفاظ على مصالح أحزاب أو تنظيمات دينية تتاجر بالدِّين لصناعة عقل جمعي يمكن الضحك على قسم كبير منه عبر رجال دين مسيّسين.

• وكيف خرجتَ من بؤر الأدلجة؟

•• خرجتُ من زنزانة التأدلج عبر الفلسفة والعلوم الأنثربولوجية والانفتاح على الحضارات خصوصاً الغربية والصدمات المعرفية والبحث عن الحقيقة بمصباح الحكيم والتراكمات المعرفية ومحاولة اصطيادي الإنسانية بقناص البحث، كل ذلك قادني لتجاوز الأيديولوجيات إلى حيث الإنسانية والمعرفة.

• ما سرّ قوة حافظتك؟

•• أنا أمتلك ذاكرة مثقوبة، بسبب وجع الحاضر لكنّي رمّمتها بنظرية كوكتيل الحياة والتحايل بثقافة الحياة.

• ما سرّ هذا الانفتاح في شخصيتك؟

•• أنا عشت خارج البحرين في ظل دولة شيعية عشر سنوات، وكنت أتغذى على مشيمة حركات الإسلام السياسي حتى اكتشفت التناقضات والبراغماتية والديماغوجية، وكيف يتم استخدام الدِّين كعلبة سردين مسمومة فكريّاً، لأجل تحويل الأوطان إلى أكفان، والحدائق إلى حرائق، والشباب إلى مليشيات، كما حدث في اليمن والعراق وسورية. اكتشفت كيف يبيع رجل الدِّين المسيّس التين على أنه دين. واكتشفت في الشق السني كيف يستغل الإخوان المسلمون الدِّين لاصطياد المساكين. التناقض قادني للبحث عن الحقيقة، كما أني عشت عقب ذلك معظم حياتي في الغرب، فزاد إيماني بالله هناك، وليس في بعض بلدان المسلمين التي تم فيها تسييس الدين.. هناك عرفت كيف تحترم حريتك، ولا يتدخل أحد في تفاصيلك ولا يخوفك بالعذاب. آلة الخوف التي وضعت بداخل عقلي من قبل رجال الدِّين ألقيتها في نهر السين في باريس في 2006، وذهبت لمقبرة العظماء هناك ثم طرت مع النوارس.

دور رجال الدِّين في الغرب أسهم في حب الحياة، لأن كثيراً من رجال الدِّين هم من يفسدون الذوق العام، البعض منهم أو الأغلب، والقلة من يقودك للتنوير. يكفي رجال الدِّين النبش في ثياب الأمة بحثاً عن اصطياد خطيئة.

• لمن تعزو الفضل في بناء وعيك وفكرك؟

•• الفضل لله ثم للشك الذي عرفته من الثقافة الغربية من ديكارت وفولتير ونيتشه وروسو، التي قادتني إلى تحطيم الأصنام الفكرية التي استقرت بذهني كأسمنت وللصدمات المعرفية التي حدثت لي وأنا في عمر الـ26، إذ اكتشفت أن نظرية ولاية الفقيه ليس عليها دليل علمي، بل هي نظرية مركبة بـ«علكة» تذوب هذه العلكة وقتما تحس بحرارة عود ثقاب نقدي.

• إلى أين وصلت في دراستك الفقهية؟

•• وصلتُ إلى البحث الخارج في الدراسة الفقهية (مرحلة ما قبل الاجتهاد)، وهو ما أسقط علمياً معظم المنظومة الفقهية والتاريخانية للأشياء، وكانت الكتب المتنوعة في علوم الإنسان، والمعرفة هي «البلدوزر» النقدي في هدم الخرافات المنسوبة إلى الدين، وقرّبتني من فهم النصوص الدينية التي تحترم الإنسان، أنا أرى كل ما هو إنساني من الله، وكل ما هو عنصري هو بشري.

• من الذي غرس في الوعي الشعبي الإسلامي فكرة استعادة التاريخ وتكريس هوية الصراع بين المسلمين؟

•• تحويل التاريخ إلى وقود والعاطفة عود ثقاب، سببه المستفيدون من الصراع، من فاتحي دكاكين مذهبية وطائفية، وفقهاء عصابيين متخلفين، وساسة سايكوباتيين نرجسيين متمصلحين، هناك كتاب لعالم النفس (ديفيد هاويكنز) عنوانه «تجاوز مستويات الوعي» عن تراتبية وعي البشر، يقول فيه إن 87%؜ من البشر هم في المرحلة الخطيرة من الدرجات الدنيا من الوعي (المرحلة الخطيرة) التي هي تحت 200 من 1000. وهناك دول غربية أيضاً تعتاش على الصراع. هناك كتاب للكاتب ممدوح عدوان اسمه «حيونة الإنسان»، إن كل هذه الحروب بسبب جشع الإنسان.

• هل جنى بعض المسلمين على تاريخهم أم التاريخ جنى عليهم؟

••أنا لا أؤمن بأن تاريخنا كان طفلاً بريئاً يبحث عن قطعة حلوى لإسكاته، تاريخنا يوجد فيه جانب دموي.

الإسلام فيه مواقع جميلة إلا أن كثيراً من نصوصه «حمّالة أوجه» فيتم استخدامه بليّ عنق آياته لصالح الأحزاب. تاريخ يقوم على حرب مذهبية في مباراة على طريقة «الكلاسيكو» من يفوز بالمباراة السنة أو الشيعة؟

تاريخنا لم يكن تاريخاً جميلاً في معظمه رغم عظمة بعض أجزائه. التاريخ متورط بنا ونحن متورطون به. الحل فك الألغام وعدم الاستقواء بعضلات امتلاك الحقيقة، وعدم الغوص في وحل الخلافات والعيش في الحداثة والحياة ببعد إنساني. يجب أن ننقّب عن جمال الأديان نأخذ جواهرها ونترك ما علق فيها من وضر الإنسان البشع.

• ماذا يجب على فقهاء عصرنا لتخطّي مراحل الصراع باسم الدِّين؟

•• أنا لا أؤمن بسيستم تكريس فقهاء. أنا أعتقد أن على الدول تخصيص مكان للفقهاء في البيت أو المسجد.

فالعلاقة مع الله عز وجلّ علاقة فطرية لا تحتاج إلى وسطاء يربكون العلاقة باجتهادات بشرية كثير منها يأتي بسبب مرض اضطراب الوسواس القهري الديني، وبعض الفقهاء بحاجة إلى معالج نفسي، هذا الوسواس انعكس على آرائهم فسبب للناس وسواساً نفسياً، ولا أؤمن بنظرية «المرجعية الدينية» بأي شكل من أشكالها. أنا أؤمن بمرجعية كل فرد لربه عز وجلّ وفي الحياة تكمن المرجعية في الدستور وقوانين البلد. ليس هناك شيء اسمه دكتوراه في الشريعة أو مرجع شريعة. كل إنسان مرجع لذاته في علاقته مع الله. حتى العلاقة مع رب العالمين لا تحتاج إلى كل هذه التعقيدات والهوس الفقهي البشري. أنا درست الشريعة لمرحلة الاجتهاد، وغربلت الأدلة والنصوص، فكثير جداً من الأحكام الفقهية ليست لها علاقة بالدين. بعض الفقهاء جزء ممن يوزعون أعواد الكبريت فكيف تطلب منهم توقيف الصراع؟

• متى بدأ تسييس الدِّين الإسلامي؟ وهل تعرضت الأديان الأخرى للتسييس؟

•• الدِّين تم تسييسه من وقت الخلافات التي طفحت بين المسلمين منذ البداية ثم بدأت في العهد الأموي فالعباسي ثم بمجيء الخلافة العثمانية واستمرّت حتى مجيء حسن البنا وسيد قطب ثم بانتصار إيران وهكذا. الدِّين مسيّس للأسف من قبل التاريخ، وسيّسته اليوم الحركات الإسلامية.

وأنا أدعو لفصل الدِّين عن السياسة كلياً لان الدِّين دين عبادة وليس سياسة.

• كيف يمكن تحييد الدِّين عن السياسة؟

•• تحييد الدِّين بتشريع قانون واضح وصريح بفصل الدِّين عن السياسة وفرض قانون على رجال الدِّين بعدم الحديث في السياسة إضافة إلى وضع ذلك ضمن مناهج الجامعات والمدارس وفصل الدِّين عن السياسة هو الدِّين، وهذا لا يعني إلغاء القيم الكونية ومنظومة الأخلاق التي تمشي في خط واحد مع الحرية الشخصية الذاتية.

• من الذي سوّق بأن تحييد الدِّين عن السياسات تحييد للدِّين عن الحياة؟

•• الذي روّج لمقولة «تحييد الدِّين عن السياسة هو تحييد للدين عن الحياة» فقهاء الإمبراطورية العثمانية ثم الإخوان ثم ولاية الفقيه. أنا أرى العكس، أن تحييد الدِّين عن السياسة هو الحياة. لأن تسييس الدِّين يقود إلى ثقافة الموت، والانتشاء بفكرة «الشهادة» التي هي الأخرى تحتاج إلى فهم دقيق مع سياق تاريخي واضح، وإدخال التسييس في الدِّين يحول الشباب إلى مشاريع موت، وإلى إرهابيين يفجّرون أنفسهم وبدلاً من أن يحصلوا على الشهادة الجامعية يصبح همهم الحصول على شهادة الوفاة.

• لماذا يتردد بعض رجال الدِّين المسلمين في مجاهرتهم بالانتماء للدولة الوطنية؟

•• كل إسلاموي مسيّس يرى حزبه أولى من الوطن والوطنية. نقطة على السطر.

• لماذا تأخر التنوير في عالمنا العربي؟

•• تأخر التنوير في بيئتنا العربية لأنّ هناك من يكره التنوير، ويراه تغريباً، ومن يرى هذا الرأي والتصور عن التنوير تجده عالقاً في الماضي، ونرجسياً، ومقتنعاً بأننا أفضل أمة على الكون، وأفضل بشر، وأقربهم إلى الله، وكل العالم مجرد تكملة عدد، وأننا أوصياء على الأمم، وأننا مركز الكون وكل العالم يتآمر علينا. البعض تنوّر فقط بالمصابيح التي يضعها في بيته، وعقول البعض مظلمة يأخذ من الحضارة والحداثة الآلات والأبنية والإضاءة، وينفر من أسباب الوعي والتقدم.

• ما قراءتك لمستقبل الإسلام والمسلمين في محيطنا العربي؟ وهل نحن في المنعطف الأخير لتجاوز الطائفية؟

•• الطائفية تظل تنمو طالما لم نمتلك جرأة نقد التاريخ ونقد نصوصنا. لا يمكن تعويض نقص الحاضر بالنوم على سرير الماضي، إنْ لم نتجاوز تفخيخ النصوص، ونفصل الدِّين عن السياسة، ونجعل الدِّين علاقة فردية بين العبد وربه، ونفتح الحريات العامة والخاصة بقوانين حداثوية تحمي الدِّين وتحمي حرية الإنسان سنظل طائفيين.

• ما انطباعك عن التحولات الاصلاحية في المملكة؟

•• المملكة فاجأت الجميع بصدمة حضارية عمرانية تشريعية، وبقيادة خادم الحرمين وولي عهده التنويري أثبتت ألا شيء مستحيلاً عندما تمتلك عبقرية الرؤية، وفائض ثروة، وعقولاً إستراتيجية وخامة بشرية تتمثل بشعب طامح يبحث عن الحياة، يمكنك صناعة الأسطورة وتحقق المعجزة، وهذا ما حدث في السعودية، نحن أمام معجزة في تغيير التفكير والمشاريع والانفتاح، من نيوم إلى مشاريع جدة إلى موسم الرياض، السعودية جعلت المنتقدين كالذي يركز نظره على الأصبع، وهي تشير إلى القمر.

• ما شرط الخلاص من تبعات الماضي؟

•• شرط الخلاص من الماضي هو اتباع معطيات الفلسفة الغربية من أفكار جون لوك وروسو ونيتشه، وفصل الدِّين عن السياسة، وحرية الأديان واحترامها واحترام بقية المعتقدات والديانات الأخرى، وتعزيز القوانين المدنية، فالقانون مرن يتغير بحكم التطور المدني وحاجة الإنسان، والحرية الذاتية دون وصاية من أحد أو التدخل بمعتقدات الإنسان وتوجهاته الدينية.

• هل سينتصر مشروع التنوير الذي بشّر به الإمام محمد عبده وجمال الدِّين الأفغاني منذ مطلع القرن العشرين؟

•• أنا أعتقد نحن نحتاج إلى قراءة نقدية حتى لمحمد عبده والأفغاني رغم موضوعية بعض أطروحاتهما إلا أن التنوير لا ينتشر إلا إذا تحققت مستهدفات القانون والأنظمة التي من أسسها الحفاظ على معتقدات الناس واحترامها تحت بند الحريات العامة. في أوروبا الجندي العلماني يحرس المساجد في صلوات الجمعة، والتنوير له أدواته، منها تحديث مناهج التعليم، وإتاحة الفرصة للنقد والتفكير الحُرّ، وتعزيز الانتماء بالأصالة، والولاء بالمعاصرة.

• كيف نحصّن أجيال المستقبل من لوثات التاريخ القريب والبعيد؟

•• بمحبة الله دون سياط الخوف التي سطت على العقول منذ الصغر وأسهم فيها بعض رجال الدين، وأن ينفتحوا على الحضارات والأمم والشعوب، وألا يعتقدوا أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، وعليهم أن يعيشوا بروح القيم الكونية المتفق عليها بين كل البشر، ويطّلعوا على الثراء الإنساني من كتب ومسرح وروايات وألعاب وعلاقات إنسانية.

• ماذا تقول لساسة العالم العربي في ظل استعادة غالب هويتنا العربية التي حاول الآخرون استلابها؟

•• بعودة لبنان للدولة وحضن الدولة وعودة سورية للحضن العربي بداية الخير، بسقوط مقولة التمدد الأجنبي. والأمل بعودة اليمن والعراق للحضن العربي، وعلى الدول العربية ألا تمنح أي فرصة لمقتنص أي مشكلة باسم مذهب أو جماعة أو عرق أو أقلية واستغلال البعض منهم. وعلينا إعطاء صورة أن التقييم وفق الوطنية والولاء والكفاءة في صناعة وطن الحداثة، ولا يكون هناك تعميم في الحكم، لأن كل مذهب ودين وعرق وأقلية أو أكثرية فيه الوطنيون وغير الوطنيين، فيه المبدعون وفيه المخربون.

نحن في الخليج أنعم الله علينا بأكثر دول العالم حكاماً وولاة أمر يمتازون بالحكمة والحنكة لذلك دولنا في أمان وخير ولله الحمد.


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق