عندما تبكي الصخور - تدوينة الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عندما تبكي الصخور - تدوينة الإخباري, اليوم الخميس 17 أكتوبر 2024 03:54 مساءً

مفلح الدوسري*

درستُ وعملتُ في جل الأماكن ولم أرتح إلا في مختبر مليء بعظام بالية وأوراق مترامية وكأس قهوة كنت أحتسيها بنهم وأوراق من الشاي السيلاني أشربه الساعة العاشرة صباحاً، وصخور حزينة بكت بين يدي، وحصير أتمدد علية إذا عدلت بين رفاقي في المختبر، فآمن مكر تلك العظام وقساوة تلك الصخور ومرارة كأس القهوة.

من لا يعرفني يقول هذا لا يحمل من الهم شيئاً، فدائماً بشوش وذو ضحكه توقظ النائم، أسير بهدوء في دهاليز كلية العلوم كالغريب، أحياناً أسقط وأنهض بيدي المشهبة، وأحياناً أتعثر ويأتي غريب مثلي يمسكني من عنقي قُبيل السقوط، أمشي على عجل كمن يمشي بسرعة في أماكن أقوام عذبوا فيها، أصادق الغرباء وأحبذ تواجدهم عندي في مختبري وأستحي من عدم ترتيبه عند ضيافتهم، وخلال برهة من الزمن يعتادون على مختبري ومن ثم أعتاد على تواجدهم وأبحث عنهم وأتصل عليهم كي نحتسي تلك السمراء ونأكل شيئاً من البسكويت الهش؛ وخلال الجلسة نضحك وأخرج مفاتيح المختبر وأعطيهم نسخاً منه كي يتواجدوا فيه حال غيابي كي لا تبكي صخوري ولا تبلى عظامي ولا تهاجر قهوتي في مخابئها، أحببت هؤلاء الغرباء الذين بانت على جباههم مرارة الغربة، وربما أحبني بعضهم وأتوا إلي في مختبري كوني غامضاً يدفعهم حب الاستطلاع لمعرفة هذا الغريب أهو في غربة أم يعيش الغربة في قلب من يحب؟!

في كل صباح يطرق أبواب مختبره الرث وتنهض تلك الجماجم لتفتح له الباب وتستقبله الصخور بقهوته السمراء، يفتح جهازه الذي يصله بالعالم الخارجي ليقرأ ويشاهد أخباراً تزعجه، ويستنفر قولونه العصبي بكامل عتاده ويتألم المسكين، ويُطرق الباب وينهض ويفتح ويجد الطارق غريباً أحبه ويبتسم في وجهه ويجلسان سوياً ويتضاحكان وتنتهي تلك الجلسة برحيل الغريب ليجلس هو يتألم ويبكي وربما تبعه إلى درج الكلية كي يودعه، يهمس ويبحث في عقله عن شيء من الذكريات ويجد في زاوية ذلك العقل حُباً قد رحل عنه بعد أن كانوا يجتمعون على قهوة قد جلبها من بلاد الدلمون راقت لأحد الغرباء الذين يزورونه، وصمتت الجماجم والصخور دقائق عندما مروا على مخيلته حتى هم افتقدوه فلا عاد لذلك المختبر طعم وتقطعت منه رائحة الغرباء الزكية، وقرر الغريب أن يترك ذلك المكان الذي احتضنه وغرس فيه ذكريات لن تزول ومواقف راسخة في عقله، وعندما أعلن الرحيل استوقفته صخرة بجانب مكتبه الخشبي وقالت له: يا غريب، أتينا معك من مواطننا الأصلية كارهين الرحيل منها ومع الزمن أحببناك ودعونا من عشائرنا الصخور للقدوم إليك، وها أنت تريد الرحيل وتتركنا لغيرك ممن لا يفهم لغة الصخور ويرمي بنا في أماكن لا ينبغي أن نكون فيها! يا غريب، أسئلك بربي أن تأخذنا معك فرائحتك سكينة لمعادن متهيجة في جوفنا من ملايين السنين.. يا غريب تلك المعادن اللامعة على خدي إنما هي دموعي تشكلت على معادن من الكوارتز فهي شفيعي عندك!
وذرفت من عيني الغريب دموع أوجعته وارتحل الغريب وبكت الصخور حمماً أوجعت قلبها.

*كاتب سعودي

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق