التغطية الصحية الإجبارية بالقطاع العام: الحقيقة المرة - تدوينة الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التغطية الصحية الإجبارية بالقطاع العام: الحقيقة المرة - تدوينة الإخباري, اليوم الثلاثاء 15 أكتوبر 2024 09:19 مساءً

في ظل التحولات التي يشهدها قطاع الصحة بالمغرب، تبقى التغطية الصحية الإجبارية قضية جوهرية تمس ملايين المواطنين ومنهم على وجه الخصوص موظفي ومستخدمي الإدارات والمصالح العمومية. لذا، من الضروري فصل هذا الملف عن أي حسابات سياسية أو نقابية ضيقة. مع ذلك، فإن النقاشات الحالية حول مشروع قانون (23-54) الذي يأتي لتوحيد الصناديق المسيرة للتغطية الصحية الاجبارية تثير تساؤلات مشروعة حول واقع وآفاق التغطية الصحية الاجبارية الخاصة بموظفي القطاع العام

تدبير التأمين الصحي: قضية مصلحة عامة وليست مكاسب فئوية

على مر السنوات، أبدت بعض النقابات صمتًا لافتًا إزاء الفساد وسوء التدبير الذي طال التعاضديات و الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي. اليوم، تتبنى هذه النقابات موقفًا دفاعيًا تسعى من خلاله إلى الحفاظ ربما على مصالح ضيقة، بدلاً من المشاركة في حوار جاد حول تحسين نظام التغطية الصحية. وكما تساءل البعض: "لماذا لم تتحدث هذه النقابات عن معاناة المنخرطين من تدني نسب تعويضات وطول مدة الاسترجاع داخل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس)؟".

الحقيقة أن هذه النقابات لم تكتفِ بالصمت حيال الفساد المالي والإداري الذي شهده القطاع، بل إنها تتجاهل القضايا الحقيقية التي تمس صحة الموظفين. أحد أبرز الأمثلة هو صفقة دمج تعاضدية السككيين سنة 2016 التي كانت تعرف عجز مالي مهول في صندوق "كنوبس"، والتي تسببت في خسائر مالية ضخمة، وقد أغمضت النقابات عينها عنها. كما أن هذه النقابات لم تحرك ساكنًا تجاه المشاكل المرتبطة بتأخر التعويضات الصحية وتراجع نسبها عامًا بعد عام. إضافة إلى ذلك، استمرت المصحات الخاصة في التلاعب بأسعار العلاج دون أن تتعرض لأي ضغط أو محاسبة من النقابات.

النقابات التي تدعي الدفاع عن حقوق موظفي القطاع العام، كانت ولا تزال جزءًا من المشكلة، إذ أنها تسعى إلى الحفاظ على ما أسمته تقارير متعددة "محميات الريع"، حيث يسود سوء التدبير المالي والإداري. بلاغات النقابات الأخيرة المعارضة لمشروع قانون (23-54) تبدو وكأنها خطوة لحماية هذه المصالح الخاصة، بدلًا من دعم أي محاولة جادة للإصلاح.

تقارير المجلس الأعلى للحسابات: فساد ممنهج

تقارير المجلس الأعلى للحسابات سلطت الضوء على العديد من أوجه الفساد في التعاضديات، منها تعاضدية موظفي الإدارات العمومية وتعاضدية السككيين، حيث تم تسجيل عجز مالي كبير وإداري نتيجة سوء التدبير. هذه التقارير كشفت أيضًا عن مخالفات جسيمة في صرف الأموال، خصوصًا تلك المتعلقة بصفقات عمومية وعمليات تسيير غير شفافة.

غياب الشفافية والمراقبة المالية الفعالة أضعف من كفاءة "كنوبس". بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخلات النقابية حالت دون إجراء إصلاحات ضرورية لتحديث هذه التعاضديات وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمنخرطين. النقابات التي كان يفترض أن تكون طرفًا مدافعًا عن حقوق الموظفين أضحت جزءًا من شبكة المصالح التي تعيق الإصلاحات.

فساد الصناديق التعاضدية: ملف يحتاج إلى مراجعة شاملة

لقد أظهرت التجارب أن التعاضديات، التي كانت تدير التأمين التكميلي للقطاع العام، قد أصبحت بؤرًا للفساد وسوء التدبير. هذه التعاضديات، التي يديرها مناديب منتخبون من المنخرطين، كانت عرضة لتلاعبات واسعة نتيجة ضعف الرقابة والمساءلة. وكما كشفت بعض التقارير الصحفية، فإن صقور بعض التعاضديات الكبرى كانوا وراء عجز مالي ضخم، لكن النقابات التي تدعي الدفاع عن حقوق المنخرطين لم تتخذ موقفًا واضحًا من هذه الفضائح.

"كيف يمكن لنقابة أن تصمت إزاء فساد بين في إحدى التعاضديات الكبرى بينما تسعى اليوم إلى الحفاظ على نفس النظام الذي أثبت فشله؟" هو سؤال آخر يتبادر إلى ذهن كل من يتابع ملف التأمين الصحي في المغرب.

الحكومة والتأخر في إصلاح القطاع: مسؤولية لا يمكن إنكارها

رغم أهمية الإصلاحات المقترحة لنظام التغطية الصحية وذلك بعد خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية لسنة 2020، لا يمكن إعفاء الحكومات المتعاقبة من مسؤوليتها في التأخر في معالجة الفساد والاختلالات التي شوهت هذا القطاع. فقد ظلت الحكومة لسنوات تغض الطرف عن التراكمات السلبية التي أثرت سلبًا على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين. وفي غياب الرؤية الاستراتيجية وضعف آليات المراقبة والمساءلة جعلا من الصعب على المواطنين الاستفادة من نظام صحي متوازن وفعال.

الحكومة ملزمة بتوضيح خططها بشكل أكثر شمولية لمعالجة المشاكل الهيكلية، بدلاً من اللجوء إلى حلول ترقيعية أو قوانين جزئية. وكما أظهرت التجارب السابقة، فإن التأخير في تنفيذ الإصلاحات أو التردد في مواجهة اللوبيات الفاسدة يؤدي فقط إلى تفاقم الأزمات الصحية وتعميق حالة التسيب. ومع أن الإصلاحات المقترحة تمثل خطوة إيجابية، فإن النجاح الحقيقي يتطلب إرادة سياسية قوية لمواجهة الفساد وتفعيل آليات شفافة للمساءلة.

إصلاح نظام التأمين الصحي: خطوة نحو العدالة الاجتماعية

إن التأمين الصحي، سواء كان إجباريًا أو تكميليًا، يجب أن يكون في خدمة المواطنين وليس عرضة للتسييس أو التدخلات النقابية. إن تحويل تدبير هذا النظام إلى مؤسسات كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يمثل خطوة نحو التخلص من اللوبيات النقابية، التي طالما استفادت من اختلالات نظام التعاضديات.

إن المرحلة المقبلة تستوجب تطبيق إصلاحات جذرية تضمن الشفافية في تدبير الموارد الصحية وتكفل حماية حقوق المؤمنين. يجب أن يُدار نظام التغطية الصحية الاجبارية بعيدًا عن الحسابات السياسية والنقابية التي كانت وراء العديد من الاختلالات التي نعيشها اليوم.

في النهاية، الحفاظ على حقوق المؤمنين وضمان جودة الخدمات الصحية يستلزمان وضع حد للتسييس الذي شاب نظام التأمين الصحي لعقود ،المطلوب اليوم ليس مجرد إصلاح قانوني، بل تطهير شامل لمنظومة التغطية الصحية من الفساد والمحسوبية، مع تطبيق توصيات المجلس الأعلى للحسابات بجدية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق