محمد عبد اللطيف*
يشهد قطاع صناديق التحوط العالمي تحولاً جذرياً ترتسم معه معالم خريطة جديدة لمشهد الخدمات المالية، حيث ولت الأيام التي كانت فيها نيويورك ولندن وهونغ كونغ تشكّل المعاقل التقليدية الأبرز عالمياً لصناديق التحوط، وبدأت تبرز إلى الواجهة اليوم مدن أخرى، مثل أبوظبي ودبي مع تحولها سريعاً إلى مراكز جديدة للنشاط المالي. ومع وجود أكثر من 20 صندوق تحوط مرخصاً لها للتداول في دبي كما في عام 2023، ووسط توقعات بتضاعف هذا العدد يبدو واضحاً أن دولة الإمارات لم تعد مجرد لاعب إقليمي في هذا القطاع، وإنما أضحت كذلك واحدة من أبرز لاعبيه العالميين.
يبدو أن التحول في مراكز ثقل صناديق التحوط سيكون طويل الأمد، حيث لجأت الصناديق الأبرز عالمياً إلى نقل كبار موظفي التداول لديها مع عائلاتهم إلى المنطقة بدلاً من الاكتفاء بأنشطة المبيعات فقط. وتركز دولة الإمارات على تدريب السكان المحليين على الوظائف اللازمة لدعم هؤلاء الموظفين.
ومن العوامل الرئيسية لنمو دولة الإمارات كمركز رئيسي لصناديق التحوط هو توسع صناديق المنصات التي تضم العديد من مديري المحافظ، حيث تستثمر هذه الصناديق عبر مجموعة واسعة من الاستراتيجيات، ولكن بعض تلك الاستراتيجيات ازدهرت أكثر من غيرها في دولة الإمارات بفضل تركيزها على الأسواق العالمية، ومنها التداول الكمي، والتداول التقديري الكلي، وتداول السلع. وقد أدت الاستجابة الفعالة لدولة الإمارات لجائحة «كوفيد-19» إلى تسريع هذا التحول، فأكدت بذلك أهلية الدولة لتغدو قطباً عالمياً لصناديق التحوط مدفوعةً بمستويات المعيشة العالية وإمكانية العمل عن بُعد. وانعكس ذلك في حصول دبي وأبوظبي على المركزين الأول والثاني على مؤشر«سافيلز» للرحالة التنفيذيين لعام 2024.
مما لا شك فيه أن البروز السريع لدولة الإمارات كمركز رئيسي لصناديق التحوط لم يكن مجرد صدفة، وإنما جاء نتيجة مزيجها المثالي من المبادرات الحكومية الطموحة، والسوق المالية المزدهرة، والإطار التنظيمي الداعم، والسياسات المواتية للأعمال، وسهولة الوصول إلى المواهب ورؤوس الأموال، وقدرات الاتصال عالمية المستوى.
إضافة إلى ذلك، فإن الاستراتيجيات الحكومية بعيدة النظر - مثل رؤية أبوظبي الاقتصادية 2030، وأجندة دبي الاقتصادية (D33) - بالإضافة إلى المناطق المالية الحرة، مثل مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي، جميعها عوامل مهدت الطريق لتوفير بيئة تنظيمية خصبة قوية ومرنة في آن معاً مع إتاحة الملكية الأجنبية بنسبة 100%، وعمليات تسجيل مبسطة للشركات، ونظام ضريبي مواتٍ.
ومع موقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب، ومنطقتها الزمنية المركزية، وسهولة الوصول منها إلى ثلثي سكان العالم خلال مدة أقصاها ثماني ساعات بالطائرة، توفر دولة الإمارات لمديري صناديق التحوط وصولاً استثنائياً إلى جميع أسواق أوروبا وآسيا وإفريقيا. وتسهم هذه الميزة الجغرافية، إلى جانب المستويات العالية من الاستقرار والأمان وجودة الحياة، في جعل الإمارات قاعدة مثلى للارتباط السلس بالأسواق العالمية.
ولعبت الأسواق المالية الديناميكية في الإمارات، في ضوء زيادة الاكتتابات العامة الأولية والإصلاحات التنظيمية، دوراً حاسماً في تعزيز ثقة المستثمرين واستقطاب المزيد من الاهتمام العالمي. كما توفر حملة التنويع الاقتصادي في الدولة فرصاً أوسع لإيرادات الاستثمار عبر مختلف القطاعات، بدءاً من العقارات ووصولاً إلى التكنولوجيا.
ويعد الابتكار ركيزةً رئيسية في تعزيز جاذبية الإمارات، ذلك أن منظومتها المزدهرة في مجال التكنولوجيا المالية – والمدعومة بالسياسات الداعمة للتكنولوجيا في مركز «إنوفيشن هب» التابع لمركز دبي المالي العالمي وكذلك في سوق أبوظبي العالمي - توفر لصناديق التحوط بيئة متقدمة لضمان النمو.
إضافة إلى ذلك، يُعد الوصول إلى رأس المال عامل استقطاب مهماً أيضاً، حيث تُعرف أبوظبي بأنها «عاصمة رأس المال»، وتضم كلتا الإمارتين العديد من شركات رأس المال الاستثماري والمستثمرين. وأخيراً، يضمن التزام الإمارات صقل مهارات الكوادر البشرية، توفير إمدادات مستمرة من المختصين المتمرسين لدعم قطاع صناديق التحوط المتنامي.
ويتوقف طموح الإمارات بأن تصبح مركزاً مالياً عالمياً رائداً على قوة منظومتها المالية. وللحفاظ على زخمها كمركز رئيسي لصناديق التحوط، لا بد من التعاون بين صناديق التحوط الجديدة والمؤسسات المالية الحالية، خصوصاً وأن هذه المؤسسات تتمتع حقاً بمكانة فريدة لدعم تلك الصناديق، بدءاً من إدارة الجوانب التنظيمية وصولاً إلى تقديم خدمات متخصصة. وبالإضافة إلى المعاملات، يجب على المؤسسات المالية بناء شراكات قائمة على الثقة والابتكار وتبادل المعرفة، مما يساعد على إرساء معايير متقدمة للقطاع، واستقطاب صناديق التحوط والاحتفاظ بها، وتطوير مجتمع مالي مزدهر ومستقر.
صحيح أن صعود الإمارات كمركز عالمي رائد لصناديق التحوط هو أمر مثير للإعجاب، إلا أن الحفاظ على هذا المسار يستوجب معالجة العديد من التحديات، وفي مقدمتها تطوير الكفاءات البشرية، ذلك أن الطلب المتنامي على المختصين المتمرسين يتطلب توفير إمدادات مستمرة من المواهب لدعم النمو المستدام، وهذا يتحقق من خلال استقطاب المواهب العالمية مع تطوير وصقل مهارات المواهب المحلية.
كما يلعب التنويع الاقتصادي دوراً حيوياً في ترسيخ مكانة الإمارات مركزاً عالمياً رائداً لصناديق التحوط، ولذلك يتعين على الدولة مواصلة استقطاب الشركات الكبيرة والقطاعات الناشئة - ولا سيما في القطاعات عالية النمو، مثل الذكاء الاصطناعي – لحفز نمو أسواق رأس المال وتوفير المرونة اللازمة لتحمل تقلبات السوق.
ولترسيخ ريادة الإمارات في هذا المجال، ينبغي عليها تعزيز الابتكار واستثمار مكامن قوتها الفريدة لمنافسة البدائل الجذابة التي تقدمها المراكز المالية التقليدية، مثل نيويورك ولندن وهونغ كونغ، أو المناطق الناشئة الأخرى، مثل سنغافورة أو ميامي.
ومع بروز دولة الإمارات كمركز رائد لصناديق التحوط، يعتمد نجاحها على المدى الطويل في قدرتها على التكيف والابتكار، وكذلك الاستفادة من مزاياها الاستراتيجية وتعزيز ثقافة التعاون لمواصلة استقطاب صناديق التحوط الرائدة وتعزيز مكانة الإمارات على الساحة المالية العالمية.
* الرئيس المشارك لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في «يونيون بانكير بريفيه»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق