إعداد: احمد البشير
عندما أطلقت شركة «أبل» جهاز «آيبود» الأنيق، عام 2001، أحدث ثورة في عالم الموسيقى، ورفع مكانة الشركة إلى مستوى جديد، كما فتح هذا الجهاز الطريق لظهور جهاز «آيفون»، الذي غير عالم التكنولوجيا تماماً. ولكن السؤال هو: كيف توصل ستيف جوبز، الرئيس التنفيذي ل «أبل»، إلى أفكار مدهشة مثل «آيبود»؟
إن الإجابة ليست كما قد تعتقد، إذ لم تكن هذه الأفكار نتاج عمل دؤوب على مكتبه، أو نتيجة اجتماعات تصميم طويلة، وعلى العكس، جاءت هذه الأفكار العظيمة، بينما كان يبدو وكأنه لا يفعل شيئاً يُذكر.
وفقاً لبروس ديزلي، المدير التنفيذي السابق في «تويتر» ومؤلف كتاب «Eat Sleep، Work، Repeat»، الذي يتحدث عن علم العمل، كان ستيف جوبز معروفاً بتأجيله للأمور، لكن هذا التأجيل لم يجعله أقل إنتاجية، بل على العكس، إذ زاده إبداعاً.
ويقول ديزلي: «عندما تنظر إلى الأشخاص المبدعين والمبتكرين، ستجد أنهم غالباً لا يحاولون أن يكونوا منتجين طوال الوقت».
ويتفق معه عالم النفس آدم غرانت، قائلاً: «الوقت الذي قضاه جوبز في تأجيل المهام والتفكير في الاحتمالات، كان وقتاً ثميناً سمح لأفكار مبتكرة بأن تبرز».
وقد يبدو جدول جوبز المريح نسبياً كأنه معلومة جانبية عن «أبل»، لكن فهم كيفية استغلاله لوقته بشكل يعزز أداءه، يمكن أن يساعدنا جميعاً على تحسين جودة أفكارنا بشكل كبير، والسر يكمن في تحويل هذه الممارسة إلى عادة تُعرف ب«قاعدة الساعتين».
فوائد «قاعدة الساعتين»
ظهرت هذه القاعدة بفضل الكاتبة جيه إيه ويستنبرغ، التي شاركت على منصة «ميديوم»، تجربتها في تحويل حياتها المهنية باستخدام هذه القاعدة.
وتقول ويستنبرغ: «عندما نكون مشغولين باستمرار، لا نجد الوقت للتأمل في تجاربنا، أو معالجة مشاعرنا، أو التفكير بعمق، فيما نريده فعلاً من حياتنا. والمساحات الفارغة، تعطينا الفرصة لإعادة التوازن، واتخاذ قرارات نشطة حول كيفية استخدام وقتنا وطاقتنا».
لذلك، بدأت بإضافة ساعتين من «المساحة السلبية» يومياً في جدولها الزمني، حيث لا تجبر نفسها على الإنتاج بأي شكل، وكانت تشعر أن هذا القرار أشبه ب«انتحار مالي».
وعلى الرغم من القلق والانزعاج، الذي شعرت به في البداية، إلا أن النتائج كانت مذهلة.
تقول ويستنبرغ: «بدأت أشعر بتحسن، أصبحت أكثر إبداعاً ونشاطاً، عندما كنت أعمل، كنت أركز بشكل أفضل، بدلاً من مجرد الدوران في مكان واحد، والمفارقة أنني أنجزت أكثر في ساعات عملي، مقارنة بوقت كنت أعمل فيه بلا توقف».
جوبز ليس وحيداً
رغم أن ويستنبرغ أعطت اسماً جذاباً لهذه العادة، إلا أن الكثير من المفكرين أشاروا إلى نفس الفكرة بطرق مختلفة.
* الكاتب ستيف كوتلر وصف هذه الساعات المفتوحة بأنها «وقت غير مخصص». ويقول: «الانشغال المستمر يمكن أن يكون بمثابة سم للإبداع».
* الفيزيائي النظري كارلو روفيلي، أكد أن الكثير من أعظم اكتشافات أينشتاين (مثل جوبز)، جاءت أثناء «التسكع بلا هدف»، ويضيف: «لن تصل إلى أي مكان، إذا لم تضيع بعض الوقت».
* أستاذ علم النفس آرت ماركمان من جامعة تكساس يقول: «هناك توتر أساسي بين الإنتاجية والإبداع/ الإبداع الذي يحتاج إلى وقت ومساحة لينمو».
إبداع عصر التكنولوجيا
إذا نظرنا إلى عصرنا الحالي، نجد أن التكنولوجيا أسهمت في زيادة الضغط، لتحقيق المزيد من الإنتاجية، فالهواتف الذكية وإشعارات البريد الإلكتروني وتطبيقات العمل، جعلت من الصعب إيجاد وقت فراغ للتفكير والتأمل. ومع ذلك، فإن هذا الوقت الفارغ ليس مجرد ترف، بل هو ضرورة للإبداع.
وما فعله جوبز، كان بمثابة مقاومة لهذا الضغط المستمر، فلم يكن يخشى الجلوس في مكان هادئ، أو المشي للتأمل، أو حتى «التسكع» بلا هدف. في الحقيقة، كانت هذه الأوقات هي التي قادته إلى بعض من أعظم ابتكاراته.
تطبيق قاعدة الساعتين
تتنوع الأسماء التي يمكن أن تُطلق على الساعات المخصصة للتأمل والاسترخاء: التفكير العميق، أو الوقت غير المخصص، أو المساحة السلبية، أو حتى مجرد التسكع، لكن مهما اختلفت التسميات، فإن الحقيقة الأساسية واحدة: الانشغال المستمر يجعلنا أقل إبداعاً.
والحل، كما أدرك جوبز، هو تخصيص وقت فارغ في جدولك المزدحم، ورغم أن جوبز توفي، قبل كتابة مقال ويستنبرغ ب13 عاماً، إلا أنه كان يخصص وقتاً للراحة أو التسكع، وفقاً لما تمليه غريزته.
أما بالنسبة لنا، فإن قاعدة الساعتين تقدم طريقة عملية لمقاومة الضغط المستمر لتحقيق المزيد. تقدم ويستنبرغ في مقالها نصائح لتطبيق القاعدة، منها:
1-عامل هذا الوقت وكأنه اجتماع مع مديرك، لأنه كذلك، فهو اجتماع مع عقلك.
2-أوقف إشعارات هاتفك. جميعها. نعم، حتى تطبيق «سلاك».
3-اسمح لنفسك بفعل اللاشيء. التحديق في الفضاء يُعتبر نشاطاً، والغفوة تُعتبر نشاطًا، إلا أن تصفّح «تيك توك» لا يُعتبر نشاطاً للأسف.
4-إذا اضطررت لنقل هذا الوقت، لا تحذفه. أعد جدولته كما تفعل مع أي اجتماع آخر.
5-تقبل الشعور بالذنب ورحّب به. دعه يجلس معك. سيشعر بالملل، ويرحل في النهاية.
قد يكون من الصعب تطبيق قاعدة الساعتين، لكنها تستحق المحاولة. شهادات الخبراء، من جوبز إلى أينشتاين، تؤكد قيمتها.
الإبداع ليس نتاج العمل المستمر فقط، بل يحتاج إلى وقت ومساحة للتأمل والتفكير. ربما لن تكون فكرتك القادمة بحجم «آيبود»، ولكن بالتأكيد ستجد أن منح عقلك الحرية، هو مفتاح لإطلاق العنان لأفكارك المميزة. هل أنت مستعد لتجربة هذه القاعدة؟
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق