جون تامني *
لا يسعني إلا أن أكرر ملاحظة آدم سميث القائلة إن «الاستخدام الوحيد للمال هو تداول السلع الاستهلاكية». إنها تفسر الكثير، وعلى وجه الخصوص، لماذا كان زعماء العالم حريصين للغاية على الاجتماع في بريتون وودز عام 1944؟ حتى يمكن ربط عملات العالم بالدولار الذي عُرّف على أنه 1/35 من أونصة الذهب.
لقد كان الرأي السائد في ثلاثينات القرن العشرين أن التحرك بعيداً عن التجارة الحرة نحو الحماية الاقتصادية هو السبب الرئيسي للحرب العالمية الثانية، وعند هذه النقطة فإن نظام سعر الصرف الثابت مع مركزية الدولار من شأنه أن يسهل قدراً أكبر بكثير من التجارة العالمية التي تجعل الحرب باهظة التكلفة.
ببساطة، عندما يتاجر الناس مع بعضهم بعضاً فإنهم يُحسّنون علاقاتهم، وبالتالي يصبحون أقل عرضة لمواجهات سلبية متبادلة.
إن النظرة إلى التجارة بوصفها الترياق للحرب تستحق أن يُعاد إحياؤها على نحو عصري. ومن الأمثلة المهمة على ذلك تبرير الساسة الأمريكيين من كلا الحزبين لجهودهم الحمائية الصارخة تجاه حظر «تيك توك» بأنها تتعلق بالأمن القومي. العذر هنا ليس مقنعاً، والأسوأ من ذلك أنه خطر.
ولأن تطبيق الوسائط الاجتماعية ذائع الصيت يمتلك قاعدة جماهيرية تناهز ال 170 مليون مستخدم أمريكي، فإن آخر شيء يمكن أن يفعله أي سياسي يركز على الأمن القومي هو حظره. لأنه على النقيض من كونه وسيلة تهدف إلى التجسس على الأمريكيين لأغراض شريرة، يمثل نجاح «تيك توك» في الولايات المتحدة درعاً سلمية يقلل بشكل كبير من احتمالات توجيه الجيش الصيني بنادقه وقنابله إلى دولة تحتوي على هذا العدد الهائل من العملاء. وهذه طريقة مختصرة للقول إن حظر التطبيق لن يُسهم في تعزيز أمننا القومي، بل سيعرضه للخطر من خلال خفض تكلفة الحرب ضدنا.
سيقول البعض إن «تيك توك» ليس للتجسس، بل للدعاية. ومرتبط بزعم الحكومة الصينية أنها تعدل المحتوى الذي يشاهده الأمريكيون من أجل تحويلهم ضد الولايات المتحدة. يا لها من إهانة، فهل بمقدور الصين فعلاً أن تستخدم التطبيق لغسل أدمغتنا؟ أم أن ساستنا لا يفكرون فينا كثيراً لدرجة أننا نحتاج إلى الحماية مما يتصورونه خطاباً شيوعياً؟
هل نسي أعضاء طبقتنا السياسية ما هي الدولة الرائعة التي تمثلها الولايات المتحدة، وكيف يخاطر شعوب العالم بكل شيء (بما في ذلك حياتهم) بشكل طوعي للوصول إلى الولايات المتحدة والعيش فيها؟ ومع ذلك، من المفترض أن نصدق أن تطبيقاً يحتوي على مقاطع فيديو قصيرة ربما تكون منحازة من قبل طرف ضد طرف آخر، يمكن أن يؤلب الأمريكيين على بلدهم!
يعتقد بعض الساسة الأمريكيين الذين يسعون إلى حظر تطبيق «تيك توك» أن الشعب الأمريكي ساذج للغاية، وأن تفانيه في أسلوب حياتنا ضعيف إلى الحد الذي يجعله عرضة للخداع من قِبَل تطبيق تديره الحكومة. دوّر هذه الفكرة في ذهنك لدقيقتين، ثم تأمل التهديد الحقيقي الذي تواجهه الولايات المتحدة. لا تقلق، ستكتشف أن الأمر أسوأ بكثير.
وأيضاً، لأن الطبقة السياسية التي ترغب في حظر التطبيق تعتقد أن الأمريكيين عرضة للتأثير الصيني، فقد صوتت لحرمان 170 مليون أمريكي من القليل، أو الكثير مما يتمتعون به. وبترجمة هذا الواقع، ولأنه من غير الممكن الوثوق بالأمريكيين في رؤية ما يعتقد الساسة المذعورون أنه دعاية منحرفة، فإن الشعب الأمريكي لابد وأن يعاني فقدان الحرية التي تشكل المبدأ المحفز للولايات المتحدة، والمبدأ الذي اجتذب أكثر الموهوبين في العالم إلى أراضيها لقرون.
إن حظر «تيك توك» من شأنه أن يلحق الضرر بالمستهلكين الأمريكيين أكثر مما سينال التطبيق نفسه.
ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تؤثر في ملايين من منشئي المحتوى من جميع الأعمار الذين يستخدمون المنصة للترفيه والتعليم والأخبار، أو كعمل جانبي أو مصدر أساسي للدخل. وسوف يضر أيضاً بآلاف الشركات المحلية التي تستخدم المنصة لتسويق منتجاتها وخدماتها.
ومع ذلك، يُطلَب منا اليوم التخلي عن حريتنا من أجل حمايتها. لا شكراً. إن التنازل عن الحرية أمرٌ سيئ للغاية، والأسوأ من ذلك هو التنازل عنها لبعض السياسيين الذين لا نخطر على بالهم إلا نادراً.
* محرر ومستشار اقتصادي، ورئيس معهد «بارك فيو» الأمريكي «ريل كلير ماركيتس»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق