عاجل

من "الموحد" إلى خادم الحرمين.. "العرضة" رمز ثقافي يثير الهمة في السلم والحرب - تدوينة الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة
برز من الفنون الشعبية في المملكة ما يُعرف باسم "العرضة السعودية"، التي تؤدى في المناسبات الوطنية والخاصة، واشتقت تسميتها من كلمة العرض وهو "الجيش الضخم".
وحضرت العرضة السعودية في ملحمة توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله -، فقد كان حريصًا على أدائها قبيل انطلاق عمليات التوحيد، لتصبح بعد ذلك رمزًا ثقافيًا عريقًا يُفتخر به، ويحرص على تأديتها ملوك المملكة - رحمهم الله - وُيستقبل بها كبار ضيوف الدولة من رؤساء دول وغيرهم.

اهتمام خادم الحرمين

وحظيت العرضة باهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - ضمن اهتمامه الشامل -أيده الله- بالتاريخ والتراث والموروث الشعبي في المملكة، وتجلى ذلك الاهتمام في إدراج العرضة السعودية في شهر ديسمبر عام 2015 على قائمة منظمة (اليونسكو) للتراث الثقافي غير المادي (الشفوي)، وتأسيس المركز الوطني للعرضة السعودية عام 2017، في دارة الملك عبدالعزيز ليعمل على تعزيز الثقافة والهوية الوطنية، وليكون بيتًا للفنون الشعبية الخاصة بلون العرضة في المملكة.
العرضة السعودية.. موروث شعبي يُثير العزائم - اليوم (أرشيفية)

أول نذر الحرب

رافقت العرضة مراحل تأسيس المملكة العربية السعودية وتوحيدها في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود، حين كانت رقصة حربية وأحد الأهازيج التي تؤدى في وقت الحروب، كان يؤديها أهل نجد بعد الانتصار في المعركة قبل توحيد البلاد، لذا كانت تسمى "العرضة النجدية".
وتُعد العرضة مظهرًا من مظاهر الحماس الحربي، وشحذًا لعزائم المحاربين، وتعبيرًا عن القوة المعنوية في أوقات السلم، ومناسبات الفرحة، وهي ذات مدلولين، مدلول حربي متوثب، ومدلول سلمي ترفيهي مبطن بروح الحماس والقوة المعنوية.
كما أنها رقصة حماسية تعبر عن روح البطولة والحماسة والرجولة، وكانت هي أول نذر الحرب والتجمع له، إذ كانت تؤدى قبل الحرب لتهيئة المقاتلين لجو المعركة، لذا فهي تذكر بأيام الحرب.
العرضة السعودية.. موروث شعبي يُثير العزائم - اليوم (أرشيفية)

رقصة مُهيبة تثير العزائم

وتناول الأديب عباس محمود العقاد -رحمه الله- العرضة السعودية في كتابه "مع عاهل الجزيرة العربية" وقال إنها: رقصة مُهيبة ومتزنة تثير العزائم، وأداء يُحيي في النفوس مشاعر الشجاعة، لا سيما شجاعة الفرسان.
وبقي أسلوب أداء العرضة كما هو عليه إلى وقتنا الحاضر، منقسمة في أدائها إلى مجموعتين، الأولى مجموعة منشدي قصائد الحرب، والثانية مجموعة حملة الطبول.
ويتوسط حامل العلم صفوف المجموعتين ليبدأ منشدو القصائد في أداء الأبيات وترديدها، ثم يليها الأداء مع قرع الطبول لترتفع السيوف.

استنهاض همم الرجال

وتتميز العرضة السعودية عن غيرها من العرضات باستنهاض همم الرجال من خلال صوت جماعي مُهيب يصطف فيه المشاركون على إيقاع الطبول، مُرددين شعرًا حماسيًّا يُشعل في النفس القوة والإقدام مصحوبًا برفع (العلم السعودي)، وخُصص لها كل عام «يوم» تؤدى فيه في أثناء نشاطات المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية»، وعادة يشارك ضيوف المملكة في أداء هذه العرضة إبان زيارتهم لها.
العرضة السعودية.. موروث شعبي يُثير العزائم - اليوم (أرشيفية)

وصف فني

وأصدرت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة كتابًا بعنوان "العرضة السعودية"، قدمت فيه عرضًا تاريخيًّا ووصفًا فنيًّا لأداء العرضة.
وأشارت إلى أن للعرضة شعراء بارزين من أشهرهم: فهد بن دحيم، وعبدالرحمن بن صفيان، ومحمد العوني.
ويستخدم الشعراء في قصائدهم الشعر الشعبي، وقديمًا كانت القصيدة تُلقى عن طريق مؤلفها، ويقول الشاعر البيت بشطريه "الصدر والعجز"، ثم يردده المنشدون من خلفه على أن يبدأ بالصدر ثم المنشدون، فالعجز ثم المنشدون مرة أخرى.
العرضة السعودية.. موروث شعبي يُثير العزائم - اليوم (أرشيفية)

أشهر قصائد العرضة

وتعد "نخوة العوجا" أشهر قصائد العرضة السعودية، ويعود ارتباطها إلى أسرة آل سعود قبل قيام الدولة السعودية الأولى.
ثم ارتبطت بجميع ما ينضوي تحت لواء الدولة السعودية بحسب ما أوضح أمين عام دارة الملك عبدالعزيز المكلف د. فهد بن عبدالله السماري، الذي أفاد بأن دلالة مفردة "العوجا"، ارتبطت بنخوة آل سعود "حنا أهل العوجا"، و"خيال العوجا وأنا ابن مقرن"، و"راعي العوجا وأنا ابن مقرن"، وكان الملك عبدالعزيز يبث بها الحماسة في جيشه لرد المعتدين.
العرضة السعودية.. موروث شعبي يُثير العزائم - اليوم (أرشيفية)

بحور قصيدة العرضة

وتردد قصيدة العرضة السعودية على البحور القصيرة والمتوسطة والطويلة المرتبطة بإيقاعات العرضة في طولها أو قصرها، في حين ورد في كتاب "الشعر النبطي: أصوله وفنونه" أن العرضة لا يُغنّى فيها الهلالي أو الصخري أو المسحوب، لذا كان بحرها المستقل يتفق مع إيقاعات العرضة عند قرع الطبول التي تُسرَّعُ أو تُبطَّأ حسب طول أو قصر بيت الشعر.
وتبدأ العرضة السعودية بالحوربة أو الشوباش، وهي مرحلة الإعلان عن بدء العرضة عن طريق شاعر يمتلك صوتًا جهوريًّا يردد شطرًا من الأبيات الشعرية الحماسية، ينادي فيه العارضين ليجتمعوا في صفين متقابلين.
وقد يكون الصف على شكل دائرة يمسك كل عارض منهم بيد الآخر، ويردد كل صف مجتمعين شطر البيت أو البيت كاملًا، بحسب بحبر لقصيدة الملقاة.
العرضة السعودية.. موروث شعبي يُثير العزائم - اليوم (أرشيفية)

نظام موحد

ويتبع أهل الصفوف نظامًا موحدًا، فعند تلقي أهل الصف البيت الأول من القصيدة، يبدؤون بما يعرف بـ"النزر" وهو الميلان للجهة اليمنى، والجهة اليسرى دون تراقص.
وعندما يلقي الشاعر الشطر الثاني من القصيدة، يبدأ قرع الطبول، فيبدأ أهل الصف في التمايل يمنة ويسرة على شكل اهتزاز بثني الركبة يمينًا ثم ثنيها يسارًا.
وفي هذه الأثناء يحمل أهل الصف سيوفهم بأيديهم ليؤدوا بها عدة حركات مثل: رفعها للأعلى أو إنزالها للأسفل، ورفعها باستمرار أو وضعها على الكتف، وهو يؤدون تلك الحركات بالسيف في نسق واحد لا يمكن لأحدهم أن يخالفه، وعادة يرفعون سيوفهم للأعلى عند إلقاء شعر فيه مفاخرة بالوطن والقائد.
العرضة السعودية.. موروث شعبي يُثير العزائم - اليوم (أرشيفية)

نوعا الطبول

ويُستخدم في العرضة نوعان من الطبول هما: الكبيرة "التخمير"، والصغيرة "التثليث"، وتقرع بعصا معقوفة من طرفها، وتغلف الطبول من الوجهين بجلد البعير، ويكسى الإطار بقطعة من القماش، وتُزين بخيوط ملونة تكسبها جمالًا.
في حين يؤدي قارعو الطبول الصغيرة حركات متناسقة يرفعون فيها الطبل باليد اليسرى، ثم ينزلونها إلى الأسفل وإلى الأمام مع القفز إلى أعلى قفزتين متتاليتين ثم الجلوس جلسة القرفصاء، فالوقوف، ويحركون أجسامهم يسارًا ويمينًا مع رفع القدمين وثني الركبتين.
العرضة السعودية.. موروث شعبي يُثير العزائم - اليوم (أرشيفية)

لباس تقليدي

وللعرضة السعودية لباس تقليدي خاص يتميز بالألوان البراقة، واستخدام أساليب فنون التطريز، مثل لباس: الدقلة، والسديري، والزبون، والشلحات "الثوب الفضاض بالأكمام الواسعة"، والبشت، والصاية، والجوخة، والقرملية (لباس أهل الطبول)، وفي الغالب يضاف إليها السيف أو البندقية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق