«آسيا الوسطى».. لاعب أكثر قوة وتأثيراً في المسرح العالمي خلال عهد ترامب الجديد - تدوينة الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة

أثار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اضطراباً في وسائل الإعلام خلال الأشهر الأخيرة، بتصريحات وصفت بالجريئة حول الحل الدبلوماسي للصراع العسكري في أوكرانيا، وكان أحد تحركاته في هذا المجال بداية ديسمبر 2024، وهي مكالمة هاتفية مع رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، سأله فيها عن رأيه في هذه القضية.

توحي حقيقة أن ترامب تحدث هاتفياً مع توكاييف، أن كازاخستان يمكن أن تلعب دوراً في البحث عن حل دبلوماسي في أوكرانيا، كما تؤكد إمكانات منطقة آسيا الوسطى في تشكيل بنية السلام والأمن في منطقة أوراسيا وخارجها، وفي ضوء تطلعات إدارة ترامب الجديدة، فإن من المرجح أن تكون السياسة الأميركية تجاه آسيا الوسطى في طريقها إلى التطور.

عامل استقرار

كان من الممكن تصور آسيا الوسطى في السابق عالمياً، باعتبارها منطقة مثيرة للمتاعب، نظراً إلى مشكلاتها الأمنية مثل: انعدام الاستقرار المحلي، وتجدد الصراعات الاجتماعية والسياسية، وقضايا الماء والبيئة، إضافة إلى الصراعات الحدودية بين قيرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.

وعلى الرغم من الأحداث المتنوعة، فإن الأحداث الأخيرة أظهرت أن منطقة آسيا الوسطى يمكن أن تتحول إلى عامل استقرار، ولاعب أمني مستقل، وقوة متوسطة في السياسة الدولية.

أولاً، وقبل كل شيء، فقد تعزز التعاون الإقليمي، كما تحسنت العلاقات بين دول هذه المنطقة، واكتمل ترسيم الحدود بين قيرغيزستان وأوزبكستان بصورة رسمية في بداية عام 2023، كما توصلت طاجيكستان وقيرغيزستان إلى اتفاق للحدود المتنازع عليها في نهاية 2024، ووقّعت كازاخستان وأوزبكستان اللتان كانتا تتنافسان على التفوق السياسي والاقتصادي في المنطقة منذ عقود خلت، على اتفاق تحالف في عام 2022، ليكون التنسيق بين هاتين الدولتين الأكثر اكتظاظاً بالسكان وسرعة في النمو اقتصادياً، يستند بالدرجة الأساسية على التعاون الإقليمي والأمني.

وفي نهاية المطاف، حدث أول لقاء بين أمناء المجالس الأمنية لدول وسط آسيا العام الماضي، وأصبحت المنطقة لاعباً أكثر قوة وتأثيراً في المسرح العالمي من خلال حل النزاعات الموروثة أو الناشئة، سلمياً.

وتشكل صيغة السياسة الخارجية لدول آسيا الوسطى الخمس، إضافة إلى الولايات المتحدة، التي نشأت في أعلى مستوياتها منذ يناير 2022، خطوة مهمة في اتجاه السلام والأمن العالميين.

وسواء في اجتماع بين الرئيس الصيني شي جين بينغ، والمستشار الألماني أولاف شولتز، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد جلست دول آسيا الوسطى الخمس، بما فيها تركمانستان، التي لطالما اتخذت نهجاً انعزالياً، على الطاولة ذاتها، ليشكل ذلك تطوراً واعداً إلى حد كبير.

وقد بدأت القوة الخارجية للمنطقة مع انسحاب القوات الغربية من أفغانستان، وعلى الرغم من أن دول آسيا الوسطى كانت يوماً رأس الجسر للعمليات الغربية في أفغانستان، فإنها أصبحت الآن تعمل لوحدها إلى حد كبير.

إدارة ترامب

تشكلت استراتيجية الولايات المتحدة الحالية خلال فترة إدارة ترامب الأولى، في الفترة ما بين 2019-2025، ويطلق عليها بأنها: بناء آسيا الوسطى الأكثر استقراراً وازدهاراً، والأكثر حرية في متابعة المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية مع مجموعة متنوعة من الشركاء.

ومن الجدير بالذكر أن استراتيجية الولايات المتحدة تتزامن مع تطلعات المنطقة إلى مزيد من الاستقلال الاستراتيجي الذي يميّز القوى المتوسطة الناشئة.

ومن الناحية العملية، فقد تم رفع مستوى صيغة «دول آسيا الوسطى إضافة إلى الولايات المتحدة» أو ما أطلق عليه «سي+1» من مستوى وزراء الخارجية، إلى مستوى قادة الدولة خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، عندما التقى مع قادة الدول الخمس في نيويورك عام 2023، وتم أخيراً إنشاء صيغة «بي5+1» للدلالة على القطاع التجاري الخاص لدول وسط آسيا إضافة إلى الولايات المتحدة، لتسهيل الحوار في القطاع الخاص، بهدف ترويج شراكات اقتصادية أكبر بين الولايات المتحدة ودول آسيا.

الاعتماد على الصين

وسواء كان من يحكم الولايات المتحدة الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، فإنها تصبو إلى تقليل اعتمادها على الصين، وعلى الأرجح فإن التعاون مع هذه المنطقة ذات المصادر الاستراتيجية سيكون لمصلحة إدارة ترامب.

وبهذا السياق، سيكون الحوار مع دول وسط آسيا ذات الأهمية بالموارد، والذي بدأ في عام 2023، له أهمية قصوى، وتُعدّ الصين المصدر الأكثر أهمية لواردات العديد من المعادن التي حددتها حكومة الولايات المتحدة على أنها استراتيجية مثل: الليثيوم، والكوبالت، والنيكل، فيما تشكل الموارد الاستراتيجية والتعاون في قطاع الطاقة الطويل الأمد مجالات أساسية محتملة للعلاقات بين إدارة ترامب الجديدة ودول وسط آسيا.

وبناء عليه، سيكون تحديث استراتيجية دول وسط آسيا ضرورياً على ضوء تطورين على الأقل: الأول هو الأهمية المتزايدة والحاجة إلى مزيد من التطوير لممر النقل عبر بحر قزوين، المعروف أيضاً بـ«الممر الأوسط»، والذي يمر عبر بحر قزوين ومنطقة القوقاز، متجاوزاً روسيا، ويهدف إلى تصدير البضائع الصناعية، والطاقة الأحفورية في أوروبا، في وقت وافق فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على شراكة لتعزيز هذا الممر، والثاني: استراتيجية الفترة بين 2019-2025 والتي تركز بصورة أساسية على أفغانستان، فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان عام 2021، لم تعترف الولايات المتحدة حتى الآن بـ«طالبان» أو أي منظمة أخرى كحكومة لأفغانستان، ما يجعل جميع دول وسط آسيا أكثر أهمية باعتبارها «حلقة وصل» لمراقبة التطورات في أفغانستان، وفي الحالتين، ستلعب كازاخستان وأوزبكستان، وهما قوتان صاعدتان وشريكان استراتيجيان للولايات المتحدة، دوراً في المنطقة. عن «رسبنسبل ستيتكرافت»


أجندة إقليمية

يوضح الموقع الجغرافي لمنطقة دول وسط آسيا، عند تقاطع مصالح روسيا والصين وتركيا وإيران والغرب، أن دولة واحدة، حتى لو كانت كبيرة وقوية اقتصادياً نسبياً مثل كازاخستان، فمن غير المرجح لها أن تحافظ بفاعلية على قدرة المناورة كقوة متوسطة في الأمد البعيد، بل إن الدول الخمس في المنطقة هي الأقدر على تحقيق مصالحها عندما تتصرف كمجموعة ذات أجندة إقليمية، وهو ما تحاول كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان القيام به منذ عام 2022.

ومع وضع هذا في الاعتبار، فإن من المنطق بالنسبة لإدارة ترامب اتباع نهج يستند للتوصل إلى اتفاقات من شأنها أن تستوعب براغماتية السياسة الخارجية التي أظهرتها دول آسيا الوسطى. ومن الحكمة أن تستفيد الإدارة الأميركية الجديدة من التفاعل المتزايد بين دول وسط آسيا، إضافة إلى شبكتها الواسعة من الشركاء والحلفاء الاستراتيجيين الذين يشملون روسيا، والصين، وتركيا، والعالم العربي، عن طريق الانخراط في مجالات الطاقة والأمن من أجل فائدة جميع الجهات المشاركة.

. الأحداث الأخيرة أظهرت أن آسيا الوسطى يمكن أن تتحول إلى عامل استقرار ولاعب أمني مستقل، وقوة متوسطة في السياسة الدولية.

. الولايات المتحدة، سواء كان الحزب الحاكم جمهورياً أو ديمقراطياً، تصبو إلى تقليل اعتمادها على الصين، والتعاون مع منطقة آسيا الوسطى.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

Share
فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق