شاعت النظريات الاقتصادية لكارل ماركس، الذي وُلد قبل قرنين من الزمان، في معظم بلدان العالم خلال القرن العشرين، حتى كادت تتحول إلى عقيدة لا تقبل النقاش. فلنستعرض معاً أفكاره لنرى ما كان صائباً منها وما لم يكن كذلك.
- عندما كان كارل ماركس يُعدّ نظرياته الاقتصادية في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا خلال القرن التاسع عشر، كانت الدول الأوروبية الكبرى آنذاك مراكزَ للقوة السياسية والاقتصادية في العالم.
- فقد هيمنت إمبراطورياتها المترامية الأطراف على التجارة والصناعة، وأخضعت جيوشها شعوباً أخرى.
- بيد أن ذلك لم يعنِ بالضرورة أن الأوروبيين كانوا ينعمون بحياة رغيدة، إذ كانت الظروف المعيشية في بلدانهم غاية في الصعوبة بالنسبة إلى عامة الناس، ولا سيما العمال الذين يكدحون في مصانع الثورة الصناعية الناشئة.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- ففي ذلك الوقت، تطورت التكنولوجيا بوتيرة متسارعة، لكن لم يكن هناك أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية الحكومية، وكثيراً ما تعرّض العمال لاستغلال وحشي. لقد عاش ماركس في حقبةٍ مضطربةٍ بامتياز.
- وُلد كارل ماركس في الخامس من مايو عام 1818، لعائلة يهودية ألمانية تنتمي إلى الطبقة المتوسطة العليا.
- في عام 1848، الذي بلغ فيه ماركس الثلاثين من عمره، اجتاحت أوروبا موجة من الثورات الديمقراطية.
فقد ضاق الملايين من الأوروبيين ذرعاً بالحكم المستمر للملوك والأرستقراطيين الذين توارثوا السلطة.
- كانوا يتوقون إلى الديمقراطية، وكانت الثورتان الأمريكية (1775-1783) والفرنسية (1789-1799) خيرَ مُلهم لهم، حيث نجحتا قبل جيلين في الإطاحة بالحكم الملكي.
- إلا أن ثورات عام 1848 باءت بالفشل، وتم قمعها بالقوة المسلحة، واستمر الحكم الملكي في ألمانيا وغيرها حتى عام 1918، مع نهاية الحرب العالمية الأولى.
- في ذلك العام، نشر ماركس، المفكر الثوري الشاب آنذاك، بالاشتراك مع زميله فريدريك إنجلز كتيباً ذاع صيته في الآفاق، ألا وهو "البيان الشيوعي".
- وقد أمضى ماركس بقية حياته في تطوير الأفكار السياسية والاقتصادية التي عبر عنها بوضوح لأول مرة في عام 1848.
- ونُشرت أعماله الرئيسية في 3 مجلدات ضخمة تحت عنوان "رأس المال"، التي كتبها بين عامي 1867 و1883.
النظرية الاقتصادية أصبحت عقيدة طائفية
- كان كارل ماركس مفكراً اقتصادياً لامعاً، إلا أنه تميز أيضاً بأنانية وعناد، وكان على قناعة دائمة بصحة أفكاره. وفي الاجتماعات اليسارية، كان دائمًا ما يُرهب ويُذلّ أي شخص يجرؤ على مخالفة أطروحاته.
- أما صديقه الثري، فريدريك إنجلز، فقد كان مُروجاً ومُنظماً فعالاً، يؤمن بماركس وأفكاره بحماس شديد، ويُقدم له الدعم المالي السخي.
- لقد شاءت الأقدار أن يتبوأ ماركس مكانةً مرموقةً، أعلى بكثير من مكانة مُنافسيه من خبراء الاقتصاد السياسي اليساريين، وذلك بفضل مزيجه الفريد من التألق، والجدل، والترويج الذاتي.
- وخلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ترسخت أفكاره كعقائد لا تقبل النقاش في أوساط اليسار السياسي الثوري.
- ونتيجة لذلك، عندما انهارت مصداقية الأسر الملكية في أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الأولى الكارثية التي زجّت بالقارة الأوروبية في أتونها، كانت أفكار ماركس وعقائده هي الملجأ الذي حاول الثوار اليساريون تطبيقه.
- لقد أصبحت كتابات ماركس بمثابة الكتاب المقدس للثوار الذين استولوا على السلطة في روسيا عام 1917، وفي بلدان أخرى لاحقاً.
- وحتى يومنا هذا، وبعد أن فقدت الشيوعية المستوحاة من الماركسية مصداقيتها بشكل كامل بسبب التجارب التاريخية المأساوية، لا يزال عدد لا حصر له من الجماعات اليسارية يُعرّف نفسه بأنه "ماركسي"، ويتشبث بأفكار الاقتصادي الملتحي بتعصب شبه ديني.
- ويُصر الكثيرون على أن نظريات ماركس كانت صحيحة إلى حد كبير، وأن الكوارث التي حلت بالشيوعية في العالم الحقيقي لم تكن إلا نتيجة لعدم تطبيق أفكاره على النحو الأمثل.
ولكن ما هي تلك الأفكار؟
العقائد
- تمحورت الفكرة الأساسية التي طرحها ماركس حول تفسير التاريخ البشري برمته بوصفه صراعاً مادياً بين الطبقات، صراعاً تكون محصلته صِفراً للسيطرة على وسائل الإنتاج وتوزيع الناتج.
- استند في هذه الفكرة إلى ملاحظته، لاستغلال "البروليتاريا"، أو عمال المصانع في القرن التاسع عشر، من جانب أصحاب المصانع (الصناعيين)، الذين أطلق عليهم ماركس اسم "الرأسماليين"، أو أصحاب رأس المال.
- وقد قصد ماركس بـ "رأس المال" وسائل الإنتاج المادية، لا المال، رغم إدراكه أن امتلاك المال ضروري أولاً لشراء رأس المال المادي.
- أفرد ماركس حيزاً كبيراً في كتابه "رأس المال" لمسألة كيفية حصول رجال الأعمال في البداية على ما يكفي من المال لشراء المصانع.
- وزعم أن المصادر الأصلية للثروات الكبيرة كانت دائمًا تقريبًا شكلاً من أشكال السرقة، مثل الاستيلاء على الأراضي العامة وخصخصتها، أو الاستحواذ على الغنائم من خلال الحرب، أو الاستعمار، أو استعباد العمال، أو الإفلاس المالي.
- وفي هذا الصدد، يقدم لنا التاريخ أمثلة لا حصر لها تؤكد فرضية ماركس. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك استحواذ الأوليجارشيون الروس وأوروبا الشرقية على ثروات طائلة بعد أن استولوا على الممتلكات العامة في أعقاب انهيار الشيوعية.
من الرأسمالية إلى الشيوعية: كيف يتصور ماركس تحول النظام الاقتصادي والاجتماعي
- في المجلد الأول من كتابه "رأس المال"، يرى ماركس أن الرأسماليين يحققون "أرباحاً" غير عادلة، من خلال الاستيلاء على "قيمة فائض العمل"، التي يُعرّفها بأنها الفرق بين تكاليف صاحب المصنع والإيرادات المتحققة من بيع السلع المنتجة.
- وبما أن العمال هم من يُنتجون السلع، فقد جادل ماركس بأنهم، وليس الرأسمالي، هم أصحاب الحق في الحصول على كامل عائدات المبيعات. ومن هذا المنطلق، يُعتبر الرأسمالي، في جوهره، مُتطفلاً.
- يقودنا هذا التصور مباشرة إلى وصفة ماركس السياسية والاقتصادية الرئيسية: "يجب على البروليتاريا" الاستيلاء على وسائل الإنتاج.
- اعتقد ماركس أن هذا سيحدث حتماً، ويعود ذلك جزئياً إلى أن البروليتاريا تفوق الطبقة الرأسمالية عدداً، وبالتالي ستنتصر في النهاية في "الصراع الطبقي" - كل ما تحتاجه هو "وعي طبقي" كافٍ لإدراك طبيعة محنتها.
- كما زعم ماركس أن المنافسة بين الرأسماليين في أي مجال صناعي ستؤدي إلى الإفراط في الإنتاج، وضغوط شديدة على الأسعار، وبالتالي انهيار صافي الأرباح.
- وسيؤدي هذا الميل المفترض لانخفاض معدل الربح حتماً إلى الأزمات، لأنه بدون أرباح، لن يتمكن الرأسماليون من مواصلة التراكم المالي.
- اعتقد ماركس وإنجلز أن الرأسمالية غير مستقرة، وأنها ستنهار في نهاية المطاف بسبب "تناقضاتها الجوهرية"، لتفسح المجال للاشتراكية، حيث تكون وسائل الإنتاج مملوكة للمنتجين (العمال).
- وفي نموذج ماركس، ستكون المرحلة النهائية للاشتراكية هي الشيوعية - وهو النظام الذي تختفي فيه الملكية الخاصة تماماً، وتصبح الموارد والأصول مملوكة للجميع.
- من المفترض أن يُساهم الأفراد بحرية وبكامل إرادتهم وقدراتهم، وأن يحصلوا على ما يحتاجونه ويلبي متطلباتهم الأساسية. مع ذلك، لم يتطرق ماركس إلى تفاصيل آلية عمل هذا النظام، وهذا ما أدى إلى إخفاقه في الواقع.
المصدر: دويتشه فيله
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق