الإبادة والتهجير: بزبط.. ما بزبط! #عاجل - تدوينة الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة
جو 24 :

كتب كمال ميرزا -

"الهيزعة" الإعلاميّة التي قامت بها الإدارة الأمريكيّة الجديدة، وبأسلوب يُفترض أن يكون واضحاً ومكشوفاً لأي طالب تخصّص صحافة وإعلام أو اتصال جماهيريّ، وباستثمار شخصيّة "المتنمّر" أو "أزعر الحارة" الهوليووديّة التي تمّ العمل بدأب وعلى مدار سنوات من أجل تشكيلها وترسيخها للرئيس الأمريكيّ "دونالد ترامب" بتواطؤ جميع الممثّلين المساندين والكومبارس..

الأمر لم يستدعِ أكثر من ذلك حتى ينسى الجميع، أو بالأحرى يتناسون، كلّ ما فات!

يتناسون كلّ القتل والدمار وجرائم الحرب التي لم تتوقّف لحظة طوال الـ (15) شهراً الماضية..

يتناسون كلّ الآلام..

يتناسون كلّ العذابات..

يتناسون الشهداء من أكبر قائد لأصغر رضيع..

يتناسون الأثمان الفادحة التي دُفعت..

يتناسون التآمر..

يتناسون التواطؤ..

يتناسون الخذلان..

يتناسون أنّ المخطّط كان مخطّط إبادة وتهجير حتى ما قبل "طوفان الأقصى"، وأنّه استمرّ مخطط إبادة وتهجير بعد انطلاق "طوفان الأقصى"، وأنّه ما يزال مخطّط إبادة وتهجير للآن وحتى إشعار آخر..

يتناسون أنّ ما تسمّى "صفقة القرن" هي جزء من صراعات النفوذ والهيمنة والمصالح الدوليّة، وحروب الغاز والنفط والموانئ والمعابر التي لم تُحسم بعد، ومشاريع إعادة تشكيل المنطقة ومستقبلها ومستقبل دولها وشعوبها..

يتناسون كلّ ذلك وكأنّ شيئاً لم يكن، ليتم في الخطاب السياسيّ والفضاء التواصليّ اختزال المسألة برمّتها، والقضية برمّتها، ومشروع التحرّر الوطنيّ والقوميّ برمّته.. في جزئيّة إعادة الإعمار!

بل إنّ مسألة "إعادة الإعمار" نفسها تمّ اختزالها وتفريغها و"تخنيثها" عبر تحويلها إلى جدل سخيف حول "بزبط نساوي إعادة إعمار.. ما بزبط نساوي إعادة إعمار"! وربط ذلك بمسألة التهجير كمتلطب إجرائيّ ومقتضى عمليّ تمليه "الضرورة" و"واقع الحال"!

مجرد نجاح العدو في اختزال القضية بهذه الصورة، ومجرد نجاحه في جرّنا لمناقشة التفاصيل الإجرائيّة لإعادة الإعمار والتهجير.. هذا بحدّ ذاته يمنحه صكّ براءة وغفران وحصانة إزاء ما فات، وضربٌ من النصر السهل أو المجانيّ (يعوّض به شيئاً من إخفاقاته في الميدان)، ويُضفي شيئاً من المعقوليّة والمقبوليّة والشرعيّة الضمنيّة على طروحات العدو بخصوص التهجير باعتبار أنّ الخلاف الآن قد بات على التفاصيل الإجرائيّة والفنيّة واللوجستيّة (وقريباً التفاصيل الماليّة والمصرفيّة والمحاسبيّة) وليس على المبدأ نفسه!

وحدها المقاومة تثبتُ مرّة أخرى أنّ إدارتها لهذه الجولة من الصراع متقدمة على العدو ومناوراته بخطوة، وأنّ وعيها بخطورة وأبعاد ومآلات ما يجري متقدمة على وعي بقية الأنظمة العربيّة والإسلاميّة بخطوات، وذلك من خلال إعلانها تعليق الإفراج عن الدفعة التالية من الأسرى الصهاينة لحين وفاء الكيان الصهيونيّ بكافة التزاماته بموجب اتفاق وقف إطلاق النار وبأثر رجعيّ.

المقاومة بهذه الخطوة لا تعيد التأكيد فقط على قوّتها وتماسكها، ولا تعيد التأكيد على ثيمة التكافؤ والندّ للندّ التي تتعامل بها مع العدو.. بل الأهم، هي تعيد إلى بؤرة التركيز والاهتمام المسائل الأساسيّة التي ينبغي أن تكون في بؤرة التركيز والاهتمام، لا المسائل الثانويّة أو المُشتِّتة أو المُفرِّقة للكلمة والشمل التي يريد العدو أن تكون في بؤرة التركيز والاهتمام.

وللأسف، مرّة أخرى نجد الأنظمة (والجماهير) العربيّة والإسلاميّة، وبدلاً من وقوفها وراء قرار المقاومة الأخير ودعمه والحديث عنه والتركيز عليه.. نجدها مصرّة على الانجرار وراء المسائل والتفاصيل والحيثيّات التي يريد لها العدو أن تناقشها وتنهمك فيها، وبنفس الأسلوب الممجوج القديم الجديد: الجميع يزرعونها بذقن الجميع، والجميع يلقون بالمسؤوليّة على كاهل الجميع، والجميع يشترون الوقت على حساب الجميع، وكلّ نظام وشعب منفرداً همُّهُ تلميع صورته وتمجيد قيادته ونفي تهمة المشاركة في مخطط التهجير عنه ولو بإلصاق التهمة بالآخرين.. ولا يعنيه ما وراء ذلك، أو المآلات النهائيّة الممكنة لمسار الأحداث، رغم معرفة الجميع أن الشرّ إذا وقع سيعم، وأنّه ما من مأمن لأحد، وأنّه ليس هناك من حلول منفردة أو فرديّة في مثل هذه الصراعات الوجوديّة والمنعطفات التاريخيّة!

الإعمار بزبط أو ما بزبط هذه ليست المسألة، المسألة هي أنّ بقاء المقاومة وانتصار المقاومة واستمرار المقاومة هي الضمانة الوحيدة للإعمار وغير الإعمار، ولمصير الدول العربيّة والإسلاميّة قبل مصير القضيّة الفلسطينيّة والدولة الفلسطينيّة!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق