نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مصر.. الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط - تدوينة الإخباري, اليوم الجمعة 14 فبراير 2025 06:36 مساءً
هناك بلادٌ تصنع التاريخ، وهناك بلادٌ يعبرها التاريخ كأنها محطات قطارٍ متهالكة، وهناك مصر. هذه الأرض التي لا تُقرأ في كتب الجغرافيا فقط، بل في مذكرات الغزاة، وفي خرائط السياسيين، وفي أحلام أولئك الذين يظنون أن بإمكانهم إعادة تشكيل العالم كما يُعاد ترتيب أثاث غرفةٍ ضيقة. مصر ليست دولةً تُرسم على خرائط المفاوضات، ولا قطعة تُحرك على رقعة الشطرنج، بل هي اللاعب الذي لا يمكن أن يكون بيدقًا.
حين رفضت مصر عرضًا بـ250 مليار دولار، وشطب الديون، وحل أزمة سد النهضة، مقابل التنازل عن شبرٍ من سيناء لتهجير الفلسطينيين، فإنها لم ترفض مالًا، بل رفضت أن تبيع تاريخها وشرفها القومي. إن كان الثمن عقوبات اقتصادية وحصارًا، فليكن، فما قيمة الرخاء إن جاء على أنقاض المبادئ؟ وما جدوى الازدهار إن كان ثمنه خيانة التاريخ والجغرافيا؟ إن المحروسة لا تُباع، ولا تُرتهن، ولا تساوم على موقفها.
أدرك البعض أن مصر لا تخضع بالضغوط، فجاءوا بالتهديدات الناعمة، والمفاوضات التي تبدو كأنها محادثات بين أصدقاء، لكنها في حقيقتها مجرد مقايضات على مصير الأوطان. وقبل زيارة السيسي إلى واشنطن، أدركت القاهرة أن المباحثات لن تكون إلا تكرارًا لنفس العروض التي لا تناسب مصر، فكان القرار: التأجيل حتى إشعار آخر. ليست مصر من تهرول نحو لقاءاتٍ لا تُفضي إلى شيء، ولا تقبل أن تكون في موقف المتلقي للأوامر. كان ذلك ردًا صريحًا على من يظن أن القاهرة ستنحني، أو ستساوم، أو ستجلس إلى الطاولة خالية اليدين.
في عام 1916، جلس سايكس وبيكو فوق خريطة الشرق الأوسط كما يجلس الأطفال حول قالب حلوى، وقررا أن هذه البلاد يمكن تقسيمها بسكين الاتفاقات السرية. ثم جاء بلفور ليمنح من لا يملك لمن لا يستحق، وكأن الأوطان تُوزع كهدايا أعياد الميلاد. واليوم، يظن بعضهم أن سيناريو التهجير يمكن أن يُعاد من جديد، وأن الفلسطيني يمكن أن يُقتلع من أرضه كما يُقتلع العشب من الحقل، لكنهم ينسون أن مصر لا تنسى، وأنها العقدة التي لا يمكن فكّها، والرمز الذي لا يمكن تجاوزه.
مصر لا تُناور، بل تُقرر، وعندما تقول "لن تكون سيناء معبرًا للتهجير"، فهي لا تُطلق تصريحًا دبلوماسيًا، بل تُعيد التأكيد على حقيقة ثابتة منذ أن عُرفت هذه الأرض بأنها مقبرة الغزاة. لا أحد يستطيع أن يغيّر خريطة المنطقة طالما أن القاهرة تُمسك بخيوط اللعبة، ومن يظن غير ذلك، فليجرب أن يُغير مجرى النيل، وسيكتشف أن بعض الأشياء ببساطة… لا يمكن تغييرها.
0 تعليق